الإرهاب- تحليل نفسي للميول المتطرفة ودور الأهل في العلاج والوقاية.
المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.20.2025

من أغرب العمليات الإرهابية التي شهدها العالم، تلك التي نفذها طبيب عربي في ألمانيا، حيث ارتدّ عن الإسلام وتحوّل إلى أحد أشدّ معارضيه ومعارضي العروبة. ممّا كان ينتقده بشدّة في منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، هو تورّط بعض المسلمين في أعمال إرهابية. ورغم أنّ السلطات لم تفصح عن دوافعه واعترافاته بشكل قاطع، إلا أنّ فحوى حسابه الشخصي يشير إلى الأسباب الكامنة وراء هذا الفعل الشنيع، بل ووراء كلّ الأعمال الإرهابية المماثلة، ألا وهي تلك النزعة الشخصية المتطرفة والعنيفة التي تدفع المرء إلى الإرهاب، سواء كان مؤمناً أو ملحداً. فالإرهاب، وبشكل يفوق أيّ ظاهرة أخرى، يتطلب دراسة وتحليلاً نفسياً عميقاً للأسباب التي تخلق لدى الفرد القابلية لتبنّي خيار الإرهاب.
مع الأخذ في الاعتبار أنّ الإرهاب أصبح نمطاً سلوكياً منتشراً على نطاق عالمي واسع، ولم يعد مقتصراً على الدوافع الدينية والسياسية فحسب؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أفراداً من الشرطة يتمركزون على مداخل المدارس، حتى الابتدائية منها، ويقومون بتفتيش الطلاب بحثاً عن الأسلحة، وذلك بسبب تزايد حوادث القتل والإرهاب التي يرتكبها الطلاب ضد مدارسهم، لأسباب شخصية بحتة لا تمت للدين أو السياسة بأيّ صلة. ودائماً ما تكشف مراجعة حسابات هؤلاء الطلاب على وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود نزعة متطرفة وعنيفة لديهم. وهذا الأمر بالغ الأهمية في مجال الوقاية من العمليات الإرهابية.
وعموماً، بغض النظر عن هوية مرتكب العمل الإرهابي؛ فإنّ الآراء الحادة والعنيفة والمتطرفة تشير إلى أنّ صاحبها يمتلك قابلية للإرهاب، حتى وإن لم يكن لديه أيّ دافع ديني أو سياسي. وهنا يقع العاتق الأكبر على الأهل والأصدقاء والمعارف، لأنّ وسائل التواصل الاجتماعي لا تستطيع فعل أكثر من حظر حساب المتطرف، ولكنّ حظر حسابه لن يغيّر قناعاته المتأصلة، بل قد يزيد من غضبه وتطرفه. لذا، فإنّ ملاحظة الأهل والمعارف لتطرف قريبهم، يفرض عليهم التدخل الفوري لعلاج هذا التطرف، وذلك حسب ميوله واتجاهاته؛ فإذا كانت ميوله دينية، فيكون العلاج بعرضه على فقيه متخصّص يبيّن له عدم صحة فهمه المتطرف للدين، وإذا كانت ميوله نفسية، فيكون العلاج باصطحابه إلى طبيب نفسي مختص.
ودائماً ما يقع اللوم الأكبر في العمليات الإرهابية على الأهل والأقارب، لأنّهم كانوا على علم بتطرف قريبهم ولم يتخذوا أيّ إجراءات لتحييد خطورته. وهناك العديد من الحالات في الولايات المتحدة لجرائم قتل قام فيها تلاميذ بقتل زملائهم في المدرسة، وقد تمت محاكمة الوالدين بتهمة الإهمال، لأنهما كانا على علم بميول ولدهما العنيفة ولم يفعلا شيئاً لعلاجه أو لمنعه من الوصول إلى أسلحة الجريمة. وفي كلّ جريمة إرهابية، يتم التحقيق مع الأهل والمعارف حول معرفتهم بمخطط قريبهم، ولماذا لم يفعلوا شيئاً لمنعه.
لذا، وحتى من باب حماية النفس من المساءلة الأمنية والقانونية، يجب على كلّ من يلاحظ وجود ميول متطرفة وعنيفة لدى قريب أو أحد معارفه أن يبادر بفعل ما يلزم لتحييد خطورته المحتملة. بينما السائد في مجتمعاتنا هو مقاطعة هؤلاء الأشخاص، وهذا تصرف خاطئ وغير مسؤول، ولا يلغي مسؤولية الأهل والأصدقاء عن السعي لمعالجة حالته قبل أن تتطور إلى الأسوأ. وفي حال قيام الشخص بتهديد صريح بالقيام بعملية إرهابية، يجب على الفور إبلاغ السلطات المختصة منعاً لوقوع جريمة قتل جماعي، وهذا يخلي مسؤولية الأهل الأخلاقية ويجنبهم المساءلة القانونية.
لكنّ حثّ الناس على علاج من لديه ميول متطرفة يصطدم بواقع مرير، ألا وهو التكلفة الباهظة للأطباء النفسيين. لذا، سيكون من المفيد جداً توفير العلاج النفسي المجاني للأشخاص الذين يعانون من ميول عنيفة ومتطرفة. وفي بعض قضايا الإرهاب المدرسي في أمريكا، صرّح بعض الأهالي بأنهم أبلغوا السلطات عن الميول الخطرة لأبنائهم وطلبوا علاجهم النفسي، لأنّهم لا يملكون القدرة المالية على تحمل تكاليف العلاج، وعدم الاستجابة لطلبهم هذا أدى في النهاية إلى وقوع المجازر. وهناك العديد من الظواهر السلبية التي ما كانت لتحدث لو توفر العلاج النفسي المجاني لمن لا يستطيع تحمّل تكلفته، مثل جرائم قتل الأهل والطلاق والتشرد. ففي كثير من الجرائم الصادمة، يتبين أنّ مرتكبها يعاني من مرض عقلي يفقده القدرة على التمييز الصحيح.
